شباك

[شباك][twocolumns]

ثلاث خمسات ـ قصة



 خمس أسئلة لم يجدَ لها المحقق إجابات مقنعة في أقوال المتهم. البذلة التي يرتديها الصحفي المرموق امتلأت بدوائر العرق الناشع من جسده. رُغم عمل التكييف الدؤوب على تبريد جوّ الغرفة. صهد الأسئلة كان أقوى من برودة المكيًف.
«هل تلقيت عمولات لوساطة بيع أراضٍ في المنطقة الشرقية؟ ما علاقتك برجل الأعمال صاحب السوابق؟ كم تكلف المسجد الذي بنيته في مسقط رأسك؟ لماذا وضعت السفارة الأمريكية ثلاثة ملايين دولار في حسابِ زوجتك؟ هل تعرقك هذا سببه إصابتك بداء السكري؟»
هكذا قال المحقق.
كان قبل أن يجلس إلى مكتبه ويبدأ في طرح الأسئلة عليه، دار المحقق حوله دورة. فدب في وجنتي المتهم المرموق رجّة ارتباك متشنجة، فاضحة. رفع المحقق سماعة الهاتف وهو يخرج سيجارة من علبة سجائره الممتلئة، طلب لنفسه قهوة وللمتهم المرموق فنجان من الشاي قد اختاره.

خمس ساعات مرّت. شعر المحقق أنها دقائق معدودات لاعتياده ذلك. لكنّ الصحفي المرموق؛ المرتجف، أحسّ أنه قد سُجن خمس سنوات مع الشغل. هو مَن اعتاد طرح الأسئلة على مصادره من المسئولين، فى إطار عمله الصحفي، الذى تدور حوله شُبُهات واسعة، لا يعرفُ حقيقتها سوى الجهات الرقابية، والسيادية، والسياسية المتعلقة بالحكم.
غادر المرموق غُرفة التحقيق بكفالةٍ باهظة. توجه إلى جريدته اليومية المستجدة، التي يرأس تحريرها، حاملًا على وجهه ابتسامة عريضة متكلفة. وكأن شيئًا لم يكن. كان قد تلق تليفونًا انتهى بتسوية الحكاية. تعهد ـ خاضعًا ـ بتنفيذ المطلوب منه كافة، بحرفية صحفي في سنه.
أبلغ مدير التحرير بأنه سوف يكتب مقالة في النصف العلوي من الصفحة الثالثة.
في اليوم التالي، نُشر في الصفحة الأولى خبر من مائةِ كلمة، صاحبه صورة لرئيس التحرير، تحت عنوان: «رئيس التحرير بعد التحقيق معه: أحترم القانون.. وأثق في العدالة»
قرأ المرموق إشارة مقاله في رأس الصفحة الأولى على ثمانِ أعمدة: «رئيس التحرير يكتب: العملاء لن ينالوا من الوطن».
انتقل إلى الصفحة الثالثة ليعيد قرأت ما سطره. فى بطن المقال: «... تتعرض البلد لمخططات محدقة بالوطن، تهدف إلى هدم الدولة، ينفذ تلك المخططات جيشٌ من الخونة؛ الذين يتلقون التمويلات من السفارات الأجنبية؛ وأعضاء فاعلين في المحفل الماسوني العالمي. هؤلاء عملاء الطابور الخامس، لن ينالوا من هذا الوطن العظيم ونحن لهم بالمرصاد...»

جرس الهاتف قَطع مُتابعته القراءة. كان أحد قيادات محافظة مسقط رأسه ينقل له الشكر الشعبي وامتنان الأهالي والقيادة المحلية لعمله الخيّر، معبرًا عن فرحتهم جميعًا بالمسجد الجديد، وأن أهالى قريته يدعون له كل يوم صلاواتهم الخمسة.
ختم القيادي السياسي مكالمته مع رئيس التحرير بأن تمنى له مزيد من التألق ودعى المولى أن ينصر قلمه في حربه الشريف على أعداء الوطن، وطمأنه بأن الله لا ينسى عمل المحسنين أبدًا.

قصة ـ أحمد الرومي

برواز

[برواز][bigposts]