محمد زكريا يكتب: الملعون الجاحد
الصورة من الإنترنت |
الشيخوخة هزمت قلبك يا أبى، ظللت تعطينا كل شيء، أعطيتنا الحياة، وأرضعتنا الحب، وهدهدت مشاعرنا على أجنحة حنانك المتدفق.
كم أنت رائع أيها العجوز الطيب، ولكن أنت لم تأت بما هو جديد. كل هذا صنعه الآباء مع الأبناء، أمّا أنت فوحدك تعايرنا بالجحود والتفوق. تبصر يا أبي أنها حكمة الأزمان، وضريبة الاستمرار، إنني سأرثك إن شئت أو لم تشأ.
يقف الأب مزهولًا من حديث الابن، فينقض عليه وقال: "يا غبي أنت لست وريثًا لمتاعي وهباتى فقط؛ أنت الوريث أيضا لمزاجي، لأمراضي، المفطوم على ظنوني وشكوكى. حتى أنت أيها الملعون الجاحد ناكر الجميل!
الكاتب محمد زكريا |
أبنائي كبروا، عبروا على جثتي. يا لها من ضريبة الاستمرار على أرض النفاق. حاولت أن أغرق شهواتى في الجمال. أن أترفع وأعلو، لكنهم شدّوني إلى هاوية البغضاء، تعلمت الابتسام لأسحق أنانيتي. لكنهم حاصرونى بأنانيتهم، فسحقتني حتى أصابوا إرادتي بالجنون، ولم يعد في قدرتي أن أحمل فضيلتي لأن خطاياهم مزقتني.
لا تبكتني يا قلبى! لأنني زرعت حبات الحب بفضيلتي، لمن لا يستحقون الحب. إنك لم تعد تحتملني، ولا تحتمل حياة الحب الممسوخ، لأن عطاءك جفّ وتبدد كالرماد.
نعم يا قلبي، صدقت أنت عندما كنت تهمس في ضميري: "أن الحياة أخذ وعطاء، الذين يأخذون فقط أوغاد، جبناء. والذين يعطون فقط واهمون جهلاء." وأنا عشت بجهالتي وهما طويلًا وعميقًا.
يا قلبي المغروس فيك ألف طعنة سهم، لقد جرحوك هم بأعينهم، وأسكرْتَكْ أنا بخمر الفضيلة، وخدعتك بأن خير الحب ما هو إلا قلق وامتلاء وتفوق في ألم وخشوع، وخدعت نبضاتك بأن الحب صرخة إشفاق، فصدقتني وأنا الآن أسألك متى يجدر بالإنسان أن يطلب الموت؟