شباك

[شباك][twocolumns]

ريفيو | في رواية «كتاب الزنوج».. هل فعلًا الحرية أغلى من الوطن؟


على الرفّ المخصص لسلسلة الجوائز، في إحدى مكتبات الهيئة العامة للكتاب، التقيت تلك الرواية أول مرّة، اشتريتها في الفترة التي كُنتُ ميالًا لقراءة الروايات الضخمة؛ الغنية بالحكايات والأحداث.

ريفيو | أحمد الرومي

على رفّ مكتبتي استقرت رواية «كتاب الزنوج» للروائي لورنس هيل، عامين قبل أن أقرر قراءتها. حين شرعت في التوغل بأحداثها اكتشفت أني قد ضيّعت على نفسي قدرًا وافرًا من السعادة الدسمة عامين.

فالرواية هي سيرة ذاتية لبطلتها. عجوز أفريقية، تحكي رحلتها الطويلة، من الحرية إلى العبودية إلى الحرية مجددًا. تركت الحرية طفلة وعادة إليها بعد أن أصبحت تعجز قدميها عن حملها بشكلٍ مستقر.

غلاف الرواية
إنها قصة أميناتا دياللو، تلك السيدة الأفريقية القوية العنيدة، التي جابهت العبودية بالعلم والصبر والحلم، والسعي الدؤوب إلى الحرية التي تستحق حلاوتها العناء والتضحية. كل ذلك كان ظاهرًا في العديد من الحكايات التي تثري رحلتها. لكن استوقفني في الرواية مشهدًا أراه فاصلًا في قضية الحرية.

إذ بعد مرور أكثر من ٤٠ عامًا على اختطافها من قِبل تُجّار العبيد، ونقلها - في رحلة مأساوية، قاسية - إلى أرض البيض (الإنجليز والأمريكان) ظلّت أميناتا دياللو خلالها تحلم بالعودة إلى وطنها «بايو» في قلب أفريقيا، الوطن الذي حلمت أن تستقر فيه رغم تغيّر الزمن. بعد كل هذه المدة استردت «دياللو» حرياتها، وقررت العودة إلى وطنها.

رحلة شاقة قطعت فيها بحر ومحيط، وليالي طويلة سيرًا علي الأقدام، وفجأة وهى على بعد أميال قليلة من أرض الوطن، اكتشفت أنّ حريتها مهددة، وأنها على مشارف السقوط في بئر العبودية مجددًا. قررت «دياللو» الهرب من أرض الوطن. قررت ألا تعود له. بعد أن دهس عذاب العبودية في داخلها الحنين للوطن. قررت الفرار. النجاة بنفسها لتطوق بالحرية. قالت «دياللو» محدثة نفسها في أحد مواضع الرواية: «لم أعد أشعر بالحنين إلى بايو؛ كل ما أحسّه هو الإصرار على أن أظل حرة... أتخلى عن أعظم أمنياتي. لن أعود إلى الوطن أبدًا».

هكذا عبّرت «أميناتا دياللو» عن مرارة العبودية، وقيمة الحرية التي تعلو كل قيمة إنسانية.

 

لورانس هيل.. الروائي الرحيم

كان «هيل» روائيًا رحيمًا بالقاريء بدرجة كبيرة، إذ شكّل روايته كصائغ دقيق في صناعته. فالرواية رغم أنها مليئة بالأحداث المأساوية المفزعة، والمروعة، إلا أنه لم يوغل في تعذيب نفس القاريء، إذ كان قادرًا بصورةٍ عجيبة على أن يجعلك تدرك عذابات البطلة دون أن تتورط في مشاعر مؤزية لروحك.

الروائي لورانس هيل

كان لدى «هيل» مساحات شاسعة لأن يجعل قلبك يشلب دمًا، إلا أنه لم يفعل. بل كتب روايته بلغة سلسة، بسيطة، غنية، مشهدية، فيها ترى الألوان، وتنوع البشر، وما يكمن في النفوس، وشكل الأثاث، وصوت حفيف الرياش - المبلولة بالحبر – وهى توقّع صكوك العبودية، ستجد عالمًا حيًا بكل تفاصيلة، تلتهمه وتغرق فيه دون جهد أو معاناة. 

كل تلك التفاصيل الغنية اتضحت بترجمة المترجم المهم صلاح صبري. 

 

حرفة الجَسر اللغوي

وأنا اقرأ الرواية، كنت أتأمل في حجم الجهد الذي بذله المترجم لنقل تلك الرواية العامرة بالهوامش والتدقيقات. رحلة شاقة (هكذا أتصورها) من الجَسر اللغوي، ولكنها أتت بثمارها الشهي الذي أكتب عنه الآن.

رواية «كتاب الزنوج» أعادت الهيئة العامة للكتاب طباعتها مجددًا في سلسلة مكتبة الأسرة، لتكون وجبة غنية، ثرية على مائدة القارئ المصري والعربي. بسعر في متناول الجميع.

«كتاب الزنوج» رواية بديعة، عشت معها فترة، ألتهم صفحاتها على مهل. أتشرب تفاصيلها، وأهضم أفكارها وأوجاعها، ومعانيها.
أبلغها ما قالته بطلة الرواية عندما تنبهت إلى فخ عبوديتها المنصوب لها: «بايو (بلدتها) أستطيع العيش بدونها. لولا الحرية، لكنت أموت». 

 



برواز

[برواز][bigposts]