شباك

[شباك][twocolumns]

الحارس


كانت لحظة الغروب؛ حين صوّبت نظري إلى أعلى فوجدته واقفًا، ناشبًا جناحيه في الأفق، متأهبًا ـ في ثبات ـ لأن ينطلق بعيدًا ليخوض معارك مع الشياطين، إنه ملاك في صورة تمثالٍ حجري، أو تمثال حجري في هيئة ملاك، أيهما أقرب إلى خيالك، المهم أنه أستطاع بسط جو من الرهبة على روحي.
التقط هذه الصورة في دير سمعان الخراز بمنطقة "المقطم"، دير عجيب في كل تفاصيله، يعكس مدى إرادة الإنسان، أن يصنع من صخور الجبل الصلب مكانًا للعبادة والتعبد، أن يطوّع تجويفه ليبتلع المؤمنين في سلام ـ مع كل صلاة تقام بمذبحه ـ فتنشع جنباته بالرحمات والبركات.
كانت جولة لا تنسى، انبهرت خلالها أنفاسي من جوٍ مهيب، لم يخطف انتباهي شىء مثلما فعل هذا التمثال، المنتصب كحارسٍ أمين يراقب الدنيا من فوق رؤسنا، أمامه مشهد أوسع مما نرى، يرى ما نرى وما لا نرى.
وددت أن أمد يدى لألمسه، أتعليق بثوبه ويأخذني ويطير إلى فوق الدنيا، ليتضح من تحت أقدامنا الحياة أكثر فأكثر، لنرى العالم بحجم أصغر من حجمه الطبيعي، فنتخفف من أحمال كثيرة تثقل قلوبنا وتقيد عقولنا.
تُرى، ماذا يرى هذا الملاك الحارس من فوق هذا البرج؟ كم حرب خاضها وانتصر؟ ومن أين جاء بكل هذا الثبات؟ تساؤلات كثيرة غمرت رأسي، قبل أن أرفع الكاميرا وألتقط له هذه الصورة، التي حاولت أن أسجل فيها بعضًا من المهابة التي شعرت بها تجاه عمله النبيل.
لم أعمل ملاكًا من قبل. لكني وودتُ أن أكون ملاكًا بجناحين، أنشبهما في الهواء وأطير، أتجسد بأجساد البشر، وأحلق بخفة المرتقين المتخففين من ثقل الجسد البشر. لكن هذا لن يكون، سيظل البشر خطّائين، والملائكة مرتقين، والتماثيل حجرية، سيظل كلٌ على خلقه.

فوتوغرافيا وتعليق ـ أحمد الرومي

برواز

[برواز][bigposts]