شباك

[شباك][twocolumns]

تأكد أنه فشل ـ قصة



قصة ـ أحمد الرومي

أعاني مأزق كبير الليلة، فأنا مرتبط بالتزام أدبي مع نفسي، أن أكتب كل يوم قصة، ولكن لم يكن لديَّ اليوم ما أقوله، لي ضميرٌ حي يرزق، لا ينام قبل أن يطمئن على أداء واجبي اليومي من الكتابة. تمامًا كما تفعل مربيات المدارس الداخلية الآئى يمررن على الآسرّة للتفتيش على نظافة الأسنان وغسل اليدين والأرجل.
"ما العمل؟"
تلك هى المعضلة.
فى الغالب أنا لا أفكر فى كتابة القصص، عادة جديدة فرضتها على نفسي بناء على إقتراح من ضميري رُغم أنه لم يكن لديَّ قصصا أرويها. هذا الضمير الأدبي قبل أشهر قليلة قابلته في محل عملي، يوم كان فيه مزاجي مشوش وسيىء جدًا، عاملته في البداية بشيءٍ من التجاهل أو اللامبالاة، إلا أن هذا الضمير كان جديرًا بالانتباه، ومن يومهًا صرنا معًا.
مصادقة الضمائر شيء جميل وصعب للغاية، ما أخطر أن يكون لك ضمير تعرفه عن قرب، هذا حملٌ إضافىٌ متعب، خصوصًا فى حياة اللاعوبين أمثالي.
أفكر الآن في المراوغة، أن أسطر كلامًا مكررًا ومكرورًا، وأن أعرضه عليه كقطعة أدبيه فنية تحفة، أحاول أن أتشيطن على هذا الالتزام وكأنه الأدب نابع من أعماقي. هو لن يخذلنِ، ولن يقول لي "إنّ منتوجك اليوم يفوح منه رائحة الخراء".
ضميري طيب للغاية، لا يريد أن يكسر بخاطري، دائما يدفعنى للكمال، في نفس الوقت الذي أدفعُ فيه نفسي إلى النقصان. لذا أنا أحبه وأنصاع لرغباته وتعليماته الصارمة عن طيب خاطر.
"إذًا لا بد من كتابة قصة قصيرة بديعة ليحتفي بها ضميري الجميل"
ذلك هو القرار.
بالمناسبة، لقد قرأت في أحد الكتب أن القصص القصيرة قد يصل حجمها إلى بضع كلمات. أتذكر أني سبق أن قرأت أقصر قصة قصيرة فى العالم، كانت من ثلاث كلمات أذكر أنهم "ذكم، عطس، مات". ولا أذكر طبعا من الذي كتبها.
المهم، لا بد أن أعود سريعًا لأكتب القصة البديعة التي سترضي ضميري.
"في أحد ليالي الشتاء الماطرة خرجت الفتاة باكية من بيت أبيها تجرجر فى أذيالها العار بعد أن هتك والدها..."
لا لا لا لا، ما هذا الافتعال في الكتابة، ضميري لن يرضيه هذا الكلام، حتى وإن أثنى عليّ. أنا لن أقبل أن أغش ضميري أبدًا.
إذا لا بُدّ أن أبدأ بواحدة أخرى.
"قضيا ليلتهما الأولي ساهرين، يتبادلان القبلات الحامية والأحضان الساخنة، ويحليان لقاؤهما بالنكات القبيحة، الخيار الأخير كان طلبًا صريح منها، الكلام الجارح للحياء يؤجج ثورتها، ويرفع حالتها المزاجية للمعاشرة، خصوصًا عندما يدنو من أذنها بعد أن يعلوها،  ويهمس طيـ**..."
تؤ تؤ تؤ تؤ، أنّ ضمير لا يرضى بهذا الكلام المكشوف، صحيح أنا مع حرية الإبداع ولكن إذا كان في سياق درامي ونسق إبداعي محدد، فما أفعله لا يقل جرمًا عن الأفلام التجارية الرقيعة.
"وبعدين"
لقد قارب الليل على الانتهاء، ولم اكتب كلمة في قصتى البديعة التي أريد أن اسعد بها ضميري الذي يغالب نعاسه من أجل قراءتها قبل أن ينام.
أن القصص البديعة محلها الصدق، وسيكون الصدق مدخل قصتي القصيرة هذه الليلة.
"حاول الشاب الأديب، الملتزم، طوال الليل إنتاج عملًا أدبيًا يلقى احترام ضميره، حاول جاهدًا، وبكل الطرق، كتابة قصة قصيرة خالية من الابتزال والإسفاف والافتعال، لكنه لم يستطع الكتابة، مرّت الليلة دون أى منتوج مرضٍ. أغلق الأديب الشاب ملف الوورد، وكبس على "شات داون" في قائمة "ستارت" بعد أن تأكد أنه فشل فى مهمته الأدبية اليومية. ـ تمت ـ"

برواز

[برواز][bigposts]