شباك

[شباك][twocolumns]

كيف جعل ممدوح عدوان يومه 70 ساعة؟­­­



كثير من الكتاب والمهتمين بالإبداع يشكون من قصر يومهم، وعدم وجود وقت كافي لقضاء كل ما يرغبون في فعله، تلك المشكلة لمسها الكاتب السوري ممدوح عدوان بشىء من التفصيل، في مقال له ورد فى كتابة «جنون آخر» موضحًا فيه الطريقة التي جعل بها يومه يتسع ليشمل كل أنشطة الحياة، من عمل وإبداع وحياة إجتماعية. فى السطور التالي نص المقال الذي عنونه بـ «اليوم سبعون ساعة».
يعلق الكثير من الأصدقاء على الغزارة التي أكتب بها، والكمية التي أنجزتها. ويقول لي بعضهم ممازحا: متى تكتب؟ متى تجد الوقت للكتابة؟ ومتى تقرأ؟ هل يومك سبعون ساعة؟
والأمر ببساطة هو أنني أعرف كيف أستفيد من وقتي. فيومي يبدأ باكراً جدًا (في الساعة السادسة تقريباً أو السادسة والنصف). وأعكف على «الشغل» حتى الواحدة أو الثانية، إذا لم أكن مضطرًا للخروج من البيت. بعدها يأتي دور الأصدقاء سواء في البيت أو في المطاعم.
قبل هذا الوقت يكون الناس في أشغالهم. أي أنه لا وقت لديّ للناس، ولا وقت للناس من أجلي. عند الظهيرة يتجمع الناس. وأجتمع بهم. ولكنني أكون قد اشتغلت ما بين الخمس ساعات والسبع ساعات. نجلس ونتسامر ونشرب ونأكل حتى الرابعة. وبعدها تأتي القيلولة. والقيلولة عندي مقدسة. لا أتنازل عنها. وليس في حياتي شيء اسمه «بعد الظهر». ومنذ زمن طويل لم أعد أحداً بين الرابعة والسادسة.
أستيقظ في السادسة مساء، وأبدأ الشغل من جديد حتى التاسعة، هذا الوقت لا يأتيك ضيوف ولا تزور أحدًا. إذا أراد أحد أن يزورك فلن يكون هذا قبل التاسعة. وكذلك إذا أردت أن تسهر عند أحد فلن تذهب إليه قبل ذلك الموعد. ولكنني أكون قد اشتغلت ثلاث ساعات على الأقل.
ويبدأ اليوم التالي كما بدأ اليوم السابق
ماذا تكون الحصيلة؟
شغل ما بين ثماني ساعات وعشر ساعات يوميًا. ودون أن تفوتن سهرة أو جلسة. ويراني الناس في المقاصف والمطاعم والملاهي والمنتزهات فيسألون: متى تكتب؟ متى تجد الوقت لهذا كله؟ وماذا أشتغل؟
أكتب وأقرأ. يكون لدي شعر أكتبه، أو مسرحية أؤلفها، أو مسلسل أعالجه. وقد أكتب بعض المقالات الصحفية.
وحين لا يكون لدي مزاج، أو ارتباط، لهذا أو ذاك، أمسك كتابًا يعجبني وأعكف على ترجمته.
وهنا أصل إلى نقطة أساسية في «الشغل». إنه شغل بكل ما في الكلمة من معنى. أي أنه يحتاج إلى مراجعة واعتناء وتصحيح. فأنا أعتقد أن الموهبة لا تشكل إلا جزءًا يسيرًا من مستلزمات الكاتب. والباقي هو شغل ومراجعة واستذكار. وهذا ينطوي أساسًا على الشعور بمسؤولية الكتابة. وهي مسؤولية الكاتب تجاه نفسه أولاً، وبعدها أمام القارئ.
وكل كتابة لا تنطلق من احترام للنفس وللأخر هي كتابة مؤقتة معرضة للموت.
وأنا أراجع ما أكتب دائمًا. وقد استفدت من العمل الصحفي فائدتين كبيرتين، هما القدرة على الاستيعاب السريع لما أقرأ، والقدرة على نقل أفكاري, بسرعة من رأسي إلى الورق. ومؤخراً صار الانتقال إلى شاشة الكومبيوتر.
ماذا يبقى؟
تعدد الميادين التي أكتب فيها.
وأنا أستغرب استغراب الناس من هذا. هناك كتاب لم يكتبوا إلا في فن واحد. ولكن هناك كتاب مارسوا أكثر من فن وبكفاءة عالية. كتبوا المسرح والشعر والرواية ومارسوا العمل الصحفي. وهذا كله قد فعلته. وإنني أتحسر لعدم قدرتي على الرسم وعزف الموسيقى والتمثيل.
ولا أدري، والحال هكذا، لماذا يستغرب الناس ممارستي للكتابة في أكثر من ميدان.
إذن ليس يومي سبعين ساعة. إنه سبع ساعات على الأقل. ولكنه بالمواظبة والدأب والاستمرارية يصبح سبعين ساعة منتجة.

برواز

[برواز][bigposts]