شباك

[شباك][twocolumns]

شوكة في اللحم.. وردة في القلب



كتب ـ أحمد الرومي

(1)
كشوكةٍ مغروسة في لحمي، تمدد يطالعني من فوق كومة كتب جديدة ـ لم اقرأ بعد أيًا منها ـ اشتريته مع آخر بغير تخطيط. عندما دخلت المكتبة كنت قاصدًا البحث عن رواية بعينها "صخب البحيرة" للكاتب محمد البساطي، لكني عندما لم أجدها، ولسبب ما، اندفعت نحو ركن الكتب المترجمة، التقط واحدًا له عنوان أخّاذ.
عند الكاشير، نبتت أزمة، الخزينة خالية من نقود تكفي لرد باقى المبلغ الذى دفعته، فترة صمت، كسرته بتطوعى شراء كتاب إضافي لتقليص عجز الفكّة في الخزينة. في 8 خطوات ـ ذهابًا وأيابًا ـ التقط كتابًا بسرعة وعدت. تمامًا كما يفعل من هم فى مثل موضعي عند البقال، هؤلاء الناس الذين يسوون حسابهم بشراء أكياس "اللبان".
حاسبته وغادرت.
في البيت وأنا أقلب صفحات أحد الكتابين، وجدت به ٩ صفحات ممسوحة. راجعت تسلسل الصفحات، فتأكدت أنها لم تكن بيضاء بغير سوء، بياضها سببه علّة في الطباعة.
اغتظت.
ركنت الكتاب في مكان واضح، استعدادًا لإعادته ـ في أقرب فرصة ـ واستبداله.

(٢)
كنت أريدها أن تراني ـ لأول مرة ـ وفي يدي كتاب له شكل جذّاب وجميل، ربما يعوّض بعضًا من هيئتي الباهتة الذابلة. فحضورها هذا اللقاء كان محتملا جدًا، لذا ذهبت بعمدية لأقابلها صدفة.
في المكتبة قررت ألا أخرج إلا وفي يدي كتاب، ولكن، الأزمة جعلتني أخرج بكتابين.
هذا ما دفعني للذهاب إلى ركن الروايات المترجمة.

(٣)
الحقيقة، هى جميلة، وتستحق.
عيونها السوداء ليل غامر، أنفها مطبّق ومنحوت بحسن، ووجنتيها ذات خصوصية أنثوية، وجهها الأسمر رائق، هذا كله دوخ عاطفتي.
صغيرة، وثقيلة. تبتلعها الهموم والأحزان، مَن في مثل عمرها لهن روح ضاجة. هي على العكس، ناضحة بقدر كافي، الألم يسوّي الروح، ويطيبها أيضا. وهى تتألم، تتوجع بأحزان دفينة.
.
"أعرف أنك ترهق نفسك بتفاصيل كثيرة، وهى لا تدري بك، ولن تدر، وإن حاولت الاقتراب من دائرتها ستحترق"
هكذا حدثت نفسى.
في مكان اللقاء لم أعثر عليها. لا أعرف إن كانت قد حضرت أم لا. الوجوه كانت كثيرة، ومتراصة بجوار بعضها البعض، في قوالب مقعدية. البحث عنها عبثي، وسيكون ملفت للجميع ـ أو هكذا تخيلت ـ إحساسي يخبرني أنها لم تحضر، لم أشعر بها هناك.
لا يهم لقائها، يكفى أني كنت في مكان كان محتملًا تواجدها به، فلولا وجود ما قد أعاق حضورها لكانت حضرت.

(٤)
على باب مكان لقاء (الصدفة العمدية) وقفت أطالع الواجهة، ترددت فى الدخول، خفت من لقائها، أو بالأحرى، خفت من النتيجة.
لنتوقع السيناريو.
سوف أراها من بعيد، وحيدة كانت أم بصحبة رفاقها!
- هااا؟ ثم ماذا؟
- ثم لا شيء!
ـ على نفسي أجيب ـ
ماذا أقول لها؟ حتى إن تقدمت نحوها خطوتين، وقولت لها بصوت مصنوع يكبح جماح أندفاعي نحوها:
- أهلا!
- ...
- كيف حال صحتك الآن؟
- ...
- أتمنى أن تكونى بخير.
- ...
- فرصة سعيدة.
- ...
- سلام
-...

(٥)
منذ يومين كانت متعبة، طاردتها وعكة صحية، أوجعتها بشكل جعلها تطلب من العابرين خلف شباك عالمها الصغير التوسط لها لدى الله ليخفف عنها.
كيف يا الله تصيب ملاكك بكل هذه الأوجاع والأحزان! يا رب! أصنع لها فردوسًا على الأرض بحجم جمالها، بدد أوجاعها الساخنة، بطمئنينة دافئة.
لا يعرف الأوجاع إلا الطيبين. يقول العوام "المؤمن مصاب"، وهى تحمل ـ في نزق ـ آلام العام والخاص، تجرّها خلفها جرًا كالمسيح.
كم وددت أن أقول لها عيشي يومك، أفرحي، لا تبددي عمركِ في الأحزان!
عن نفسي، أحب الأحزن. إنها تصقل الروح، وترهف النفس. في كلامها القليل أرى هذا النضج، عباراتها ناصعة، رموزها صموتة، تعبر عن زهد فى الحياة.
عبيطة، والله عبيطة!
ماذا لو أجّلت أحزانها قليلًا!
الحقيقة، أن الحزن نعمة، لقد عرفت في حياتي قليل من الفرح، وذقت معني الشجن، تجرعت الحزن الشفيف ألوانًا، إلى أن وصلت لمرتبة الأرتقاء بالتخللي.
أصبحت أستكثر على روحي السعادة، ولكني لا أتوقف أبدًا عن البحث عن نشوة الحياة لأقتناصها.

(٦)
يا لي من أحمق، كيف كنت سأتخلى عن ذلك الكتاب الذي استدعى طيب ذكراها، كيف أحوّل بجهلي تلك الوردة التي تزين القلب إلى شوكة في اللحم!
سأحتفظ به بعلته، فهو يحمل بعض من طيف استمده منها فى يوم تمنينا أن نقابلها فيه معًا.

هذا النص [نتاج ورشة كتابة ذاتية / ليلية استغرقت ساعة]

برواز

[برواز][bigposts]