شباك

[شباك][twocolumns]

«ما وراء الكتابة» درس في «صنعة» الإبداع

بحرفيةٍ شديدة وتواضع جمّ، صاغ الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد كتابه المهم «ما وراء الكتابة ـ تجربتي مع الإبداع»، قدّم خلاله درسًا عميقًا وبسيطًا في فنّ كتابة القصة القصيرة والرواية، ليستفيد منه الأدباء المبتدئين، بخلق رؤية أوسع وأكثر شمولية وسلاسة لكيفية كتابة عملًا روائيًا أو قصصيًا مبنيّ على وعيّ وتجربة.
ورُغم قولي أنّ الكتاب يُعدّ درسًا في كيف تُصاغ الرواية والقصة القصيرة، إلا أنّ «عبد المجيد» لم يفعل ذلك بشكل سافر، بل قدّمه بروحٍ خبيرة تريد أن تنقل خبرتها إلى أبناء الصنعة الجدد دون الانزلاق في بئر الأستاذية الفوقية.
ففي السنوات الأخيرة انتشرت كثير من الكتب تتحدث في شأن "تطوير الكتابة"، يؤلفها كاتب واحد أو مجموعة كُتّاب، عربية كانت أو مترجمة. تقّدم تلك الكتب ما يشبه القواعد أو التعاليم في فن الكتابة. ورغم عدم تحفظي على هذه النوعية من الكتب، إلا أنّ «عبد المجيد» تطرق إلى هذه المساحة بصورة أكثر حرفية.
تتجسد حرفية إبراهيم عبد المجيد في تقديمه إجابات كثيرة عن تساؤلات تخص فنيات كتابة الرواية والقصة القصيرة، دون أن يضع الأسئلة. أكثر المستفيدين من هذا الكتاب سيكون الكُتّاب المتعلمين بالملاحظة.
لقد قدّم «عبد المجيد» خلطته السرّية في صناعة الإبداع. حكى في أسلوب قصصي كيف يكتب الرواية، وكيف يكتب القصّة، وكيف يُعد لفكرته، وخطوات التفكير فيها، وكيف يغزل رواياته من شخصيات حقيقية من لحمٍ ودم؛ خالطها وتشبع بتفاصيلها، وأماكن حيّة عاش فيها وتجوّل في أركانها. قال ـ بخفّة لاعب الورق ـ كيف يصنع «عجينة» عمله الأدبي من التاريخ والجغرافيا، البشر والحجر، الذاكرة والواقع، فعل هذا إبراهيم عبد المجيد بإبداع وتواضع متناهيين.
ألبس الروائي الكبير كل هذه التفاصيل ثوبًا إنسانيًا، فبنية الكتاب مكوّنة من خيطين متوازيين، يتقاطعان وينفصلان، غازلين في طريقهما قماشة العمل.
الخيط الأول شخصي. يحكي فيه «عبد المجيد» تفاصيل دقيقة عن حياته، تعلوا فيها النبرة التاريخية على الذاتية. يربط محطات عمره بحوادث مرّت بها مصر كأنه تأريخ، ويرصد خلال حكيه تغيّرات مجتمعية طرأت على المكون الثقافي للبلد.
الخيط الثاني هو خيط «الصّنعة». عمد «عبد المجيد» أن يكون المستفيد من الكتاب هو الأديب الذي يتعلم بالمراقبة والرصد. لم يقل في كتابه «كيف تكتب الرواية؟» بل ما فعله أجمل وأرسخ، حكى للقارئ كيف هو صنع رواياته، ليتعلم من يجيد التقاط الصنعة.
كتاب «ما ورء الكتابة» صدر عام 2019، عن سلسلة «أدب» بمكتبة الأسرة، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب. يقع الكتاب في 330 صفحة، وهو كالمجلة متخم بالصور، ليست بصرية، بل صور ذهنية تطفو على خيالك وأنت تطالعه. ورُغم أهميته الكتاب يباع بسعر 11.5 جنيه، ليكون في متناول الجميع.
مراجعة ـ أحمد الرومي

برواز

[برواز][bigposts]