شباك

[شباك][twocolumns]

ماجدة خير الله تكتب: صاحب المقام.. انتبه قد ينقلب حالك في لحظة!

أسر ياسين في أحد مشاهد فيلم «صاحب المقام» ـ الصور من الإنترنت
أولًا، لازم يكون لدى كل شخص لعن في السبكي ـ واتهمه بإفساد الذوق العام ـ الشجاعة أن يعترف أنّ للرجل حسناته وآياديه البيضاء على صناعة السينما، وأنه سبق أن قدّم أفلامًا ذات أهميه مثل «الماء والخضرة» ليسري نصر الله، و«الفرح» و«كباريه» و«ساعة ونص» و«واحد صحيح» وأخيرًا «صاحب المقام». كلها أفلام ذات قيمة فنية وفكرية، وحققت نجاحًا على عدة مستويات. ومع ذلك لم يفكر الرجل في الدفاع عن نفسه، بل ترك مَن يهاجمه يغال في الهجوم، واكتفى بتقديم ما يؤمن به، ويحقق له الرضا عن ذاته، ولم يدعِ فروسية ولا مجدًا زائفا، فهو يقدم أفلامًا تجارية، وأخرى ذات مستوى فنّي مميز. كما كل شركات الإنتاج الكبرى. في العالم لا توجد شركة تقدّم أفلامًا عظيمة تحصل على جوائز وتكبد الشركة خسائر، هذا منطق مش موجود في أىّ صناعة!
ثانيًا، فيلم «صاحب المقام» ينقذ الموسم السينمائي الذي ضربه فيروس «الكورونا» ووقف حاله، وعرض الفيلم على منصّة «شاهد» أتاح للآلاف من عشاق السينما فرصة مشاهدة فيلمًا حديثًا يضمّ عدة عناصر فنية عالية الجودة، تحرك المياه الراكدة، ويفتح مجالًا للنقاش في قضايا مهمة، ويخرج بنا من حصار أفلام الأكشن والكوميديا، لسينما مختلفة في الشكل والمضمون.
ثالثًا، فيلم «صاحب المقام» يقفز بإسم آسر ياسين للمكانة التي يستحقها كممثل يمتلك موهبة استثنائية ـ مع الاحترام للنجوم الذين يحققون الملايين رغم مواهبهم المتواضعة ـ وهو بحق نجم هذا العام، سواء من خلال دراما المسلسلات التليفزيونية «ميت وش» و«فى كل أسبوع يوم جمعة»، أو الأفلام السينمائية «صاحب المقام».
هذا التنوع الواضح في نوعية الأدوار التي قدّمها بنفس الإجادة خير دليل على أنّه من أهم نجوم التمثيل في هذه الحقبة الزمنية!
رابعًا، الفيلم يضم عددًا لا حصر له من المواقف الإنسانية البديعة، التي لم يحدث أن شاهدتها في أى فيلم مصري آخر. يقدمها نخبة من الممثلين، كل منهم الأروع في مكانه، وهذا فضل يعود لاختيار المخرج محمد جمال العدل.
على رأس هؤلاء الراحل الجميل إبراهيم نصر. سوف تبكيك مشاهده القليله، ليس لأنك عاطفي و«حَسيس»؛ ولكن لأنّك سوف تدرك أنّه كان بيننا ممثلًا عبقريًا لم نحسن تقديره في حياته، بينما منحنا مساحات ضخمة من الاهتمام لمَن هم دونه في الموهبه!
شهد الفيلم أعلى درجات التوهج التي منحها إبراهيم نصر لدوره، هذا التوهج الذي يسبق الانطفاء والسكون الأخير.

إبراهيم نصر ممثل عبقري لم نحسن تقديره
بالإضافة إلى شخصية إبراهيم نصر، هناك عدة شخصيات لا يستغرق وجودها على الشاشة سوى دقائق معدودات، ولكنها تترك أثرًا لا يغادرك بعد انتهاء الفيلم، منهم سلوى محمد على، حالة هائلة من الإبداع في دور لم تنطق فيه إلّا بضع كلمات. أنجي المقدم، ريهام عبد الغفور، فريدة سيف النصر، محمود عبد المغني رغم المبالغة في بعض المناطق.
خامسًا، سيناريو الفيلم الذي كتبه إبراهيم عيسى لا يعتمد على أفكارٍ مجرده، ولكن على سيناريو محكم، يضم شخصيات مرسومة بعناية (سواء كانت أساسية أو فرعية) وصراع يبدأ بنقطة انطلاق عبارة عن أزمة تضع البطل يحيى الرملي (آسر ياسين) في حالة حيرة، تجعله يعيد التفكير في كل حياته السابقة والحالية. ثم تبدأ رحلته لحل الأزمة أو الكوارث التي حلّت به، ليكتشف أنّ الإنسان لا يمكن أن تعتدل حياته أو يحقق السعادة إذا عاش لنفسه فقط.
«ماذا يفيد الإنسان الذي كسب العالم وخسر نفسه»!
سادسًا، مستوى العناصر الفنية؛ كاميرا سامح سليم، وموسيقى خالد الكمار التي لعبت دورًا شديد الأهمية، ليس بوصفها موسيقى جميلة وممتعة فقط، ولكن لدورها الأساسي في تصاعد المواقف الدرامية، وكأنها إحدى شخصيات العمل.
سابعًا، يسرا في شخصية «روح» التي تظهر ليحيى في مواقف وشخصيات متعددة ـ وكأنها الجانب الخيّر من شخصيته المرتبكة ـ لتذكره بما يجب عليه فعله، أو تدله على الطريق الذي يجب أن يسلكه، دون أن تمثل له قيدًا أو عنصر ضغط، إنها فقط روح خفيفة، أو هذا الخاطر الذي يجعلك تعيد التفكير في الأمور، قد لا يكون لها وجود في الواقع ولكنها كيان من نسج خيال «يحيى» ذاته! 


جسدت يسرا شخصية «روح» تظهر للبطل وكأنها الجانب الخيّر من شخصيته المرتبكة
 أمّا الصفعة المفاجئة التي تلقاها يحيى من هالة فاخر، فهى بمثابة كلمة انتبه، التي يمكن أن تجدها كعلامةٍ في الطريق. ترشدك لأنك سوف تواجه مخاطر لو مضيت في هذا الاتجاه.
ثامنًا، الحكاية التي نسجها إبراهيم عيسى ليضع من خلالها أفكاره وما يريد توصيله، هى حكاية تتميز بجمال السرد وتضم كل عناصر فن الدراما، من صراع ومفاجأة ومفارقة، وتشويق وذروة ثم نهاية.
تبدأ الأحداث باستعراض ملامح من حياة رجل الأعمال الشاب يحيى الرملي (أسر ياسين) وهو شاب ناجح جدًا وعملي جدًا، لا مكان للعاطفة والإعتبارات الإنسانية في حياته. وهو أمر تعانى منه زوجته (أمينة خليل) وطفله الوحيد «ياسين».

تبدأ الأزمة عندما يقرر يحيى إزالة مقام أحد الأولياء، ليقيم منتجعًا سياحيًا، ورغم تحذير أحد معاونيه (بيومى فؤاد) بأنّ هذا الفعل سوف يقلب الدنيا عليه، لأن المقام  له قدسيته ويرتاده جمع من الناس، إلا أنّه لا يستجيب (بالمناسبه الدورين اللي قدمهما بيومي فؤاد ـ ويمثلان الفكرة وضدها ـ من نقاط الضعف الواضحة في السيناريو) تبدأ سلسلة من الكوارث تقع على رأس رجل الأعمال الشاب. منها حريق فى أحد قصوره، ولكن الطامة الكبرى تحدث عندما تسقط زوجته فجأة ويكتشف أنّها تعاني من نزيف مفاجىء في المخ، أدى إلى غيبوبتها. 

أمينة خليل فى مشهد من الفيلم
ربما لم يكن يدرك أنّه يحبها بهذا القدر لأن حياته تنقلب رأسًا على عقب، ويفكر في البحث عن حل، بعد أن أدرك أنّ تلك الكوارث هى الرد على هدمه مقام الشيخ هلالي، فيبدأ في رحلة لبيوت أولياء الله، بحثًا عن نجدة، وتواتيه فكرة مساعده أصحاب الشكاوى لهؤلاء الذين يضعون رسائل في الأضرحة، تضم رجاء أو مظلمة أو مناجاة لصاحب المقام، علّهم يجدون استجابة. ويصبح «يحيى» هو رسول الإمام الشافعي لتحقيق رغبات أصحاب الشكاوى.
وخلال تلك الرحلة (تشب
ه رحلة الأوديسا) يكتشف يحيى مآسي بشر وإناس تتعلق كل أحلامهم بتوسل؛ أو رجاء يتعلقون به ويحلمون بتحقيقه. معظمها طلبات إنسانية وليست مادية، مثل تلك المرأة البغي (فريدة سيف النصر) التي تابت توبة نصوحة وتريد علامة من الإمام الشافعي تؤكد على أن ربنا قدّ تقبل توبتها، وعندما يدقّ «يحيى» باب منزلها تسقط ميته من فرحتها، وكأنها تلقت علامة بقبول توبتها!
حالات إنسانية كثيرة كانت كافية لإيقاظ مشاعر رقيقة كانت نائمة في مكان مظلم من روح يحيى الرملى، الذى ظنّ أنّه امتلك الدنيا بفضل ذكائه وحسن إدارته لثروته، فإذا به يكتشف مدى ضعفه، وحاجته إلى محبة مَن حوله.
الناقدة الكبيرة ماجدة خير الله

أفيش الفيلم

برواز

[برواز][bigposts]