«المرجيحة».. نص لمريم البغدادي
وانا صغيرة كان عندي مرجيحة لونها أبيض، كنت دايمًا بقعد عليها وأبص للسما. كانت أكبر أزمة بتواجهني ـ في الوقت ده ـ هي أن رجلي مش واصلة للأرض. يعني بتعبير أدق «أني لسه صغيرة» لسه شطنة الخروج بتاعتي مش كبيرة زي شنطة ماما. لسه ماعنديش ساعة معدن أبص فيها كل شوية زي بابا. لكن كنت واثقة من حاجة واحدة، أني لمّا أكبر ورجليا تطول الأرض هوصل لكل اللي بتمناه.
كتبت ـ مريم البغدادي
والنهاردة ـ بعد ٢٤ سنة ـ طلّعت مرجيحة الطفولة من كومة كراكيب قديمة. الحقيقة هى ماكنتش في أفضل حالاتها، كأنها كبرت ومعالم الشيب بانت عليها، لكن برغم كده فكرتني بأيامي القديمة، وكأنها مستنياني من وقتها علشان نتقابل من جديد.
أحاسيس كتير. فرح على خوف، على حزن. مشاعر مشوشة، ومش واضحة.
قعدت أعّد على إيديا إنجازاتي وفشلي. أبص على تحويشة عمري من صحاب وحبايب، وكل اللي شاغلني سؤال واحد: أنا وصلت لأيه لمّا رجليا طالت الأرض؟
واكتشفت أنّ الزمن ساب بصمته فيا زي ما ساب أثره على المرجيحة بالضبط إذا ماكنش أكتر.
لونها اللي اتحول من أبيض لرمادي، فكرني بقلبي اللي بمرور الناس عليه بدأ يفقد جزء كبير من نوره. يعني مابقاش عندي الصاحب الحقيقي اللي هيشاركني الطريق. بعد ما كنت بقول على الكُل صحابي. أنّ شنطتي الكبيرة مش حاجة حلوة زي ما كنت فاكرة. دي مليانة مسئوليات أنا الوحيدة اللي بتحملها. أنّ البص الكتير في الساعة بيفكرني أنّ الوقت بيجري ولازم الحقه.
فوقت من زحمة أفكاري، لمّا بدأت اتأمل المرجيحة وأسأل نفسي «ازاي برغم الحالة اللي وصلتلها دي لسه قادرة تشيلني!»
حستها بتقولّي:
أنتي لسه جواكي طاقة، لسه في طرق مامشتيهاش، لسه في صاحب حقيقي مستنيكي على بُعد كام خطوة، لسه في أحلام هتحققيها، لكن قبلها لازم تعدي على كام حفرة وتقدري تطلعي منهم لوحدك، وفي النهاية هتقفي تفتكري كل ده وانتي فخورة بطريق طويل مشيتيه، بفشل كان دافع للنجاح، وبصاحب فلصو خلاكي تعرفي بعد كده تختاري صاحب وفي.
الحقيقة أنّ الصوت ده كان طالع من جوايا، صوت كان طول الوقت بيتكلم ومابسمعهوش، وماقدرتش أميزه غير دلوقتي، لمّا رجعت تاني أقف في المكان اللي بدأت فيه الحدوتة.