شباك

[شباك][twocolumns]

هنا «المسحة».. حكاية غلاف أغضب المثقفين.. وأفرح المناصرين.. ثم وأد كتابه في المطبعة


 

كان الجو هادئًا قبل لحظات من إعلان الروائي أشرف الخمايسي عن كتابه الجديد «المسحة»، إذ نشر على صفحته بموقع «فيس بوك» غلافه مصحوبًا بتعليق مقتضب «في المعرض بأذن الله». لم تمر دقائق حتى توالت مشاركات الغلاف على نطاق واسع من متابعيه مع تعليقات تراوحت بين الصدمة والاستنكار والتأييد والمساندة.

كتب ـ أحمد الرومي

بصفتي صحفيًا مراقبًا، تشككت في البداية في رسمية الغلاف. ظننته للوهلة الأولى غلافًا مضروبًا، أو أحد منتوجات صانعي بوسترات «الكوميك» المنتشرة على مواقع التواصل الإجتماعي على سبيل التفكّه والاحتجاج اللاذع. لكن تبين أنّ غلاف الكتاب الصادر عن دار المؤسسة للنشر والتوزيع حقيقيًا، وورائه قصة خلقت أزمة، انتهت بمنع الكتاب من الصدور، بقرار من دار النشر.

نظرة على الغلاف الأزمة

تصميم الغلاف في غاية البساطة رغم تأثيره الذي أزعج عديد من الشخصيات الأدبية الكبيرة، فاللون الأبيض يسيطر على غلاف الكتاب الذي يمثل «قيشاني» دورة مياه أبيض اللون، لم يتضح من تفاصيل «التواليت» سوى حامل بكر النشَّاف المعلق، وقد فرغ من محتواه عدى أخر قطعة منديل مدلاه من كرتون مركز البكرة، مرسوم عليها صورة الكاتب والإعلامي الدكتور خالد منتصر. يتوسط الغلاف عنوانه (المسحة) يعلوه اسم المؤلف وفي ذيل الغلاف اسم الناشر «دار المؤسسة للنشر والتوزيع».

الغلاف فجّر نقاشات وتململ وأخذ ورد، قبل أن يُعرَف ما هو فحوى ومضمون الكتاب. المعترضون رأوا أنّ الغلاف يعد إهانة وتطاول على شخص خالد منتصر، لذا رفضوه وجابهوه. في حين أن أشرف الخمايسي (مؤلف الكتاب) نفسه لم ينكر تطرف ما فعل، معلنًا في الكلمة التي تتصدر غلاف كتابه أنه سقط: «... فيما سقط فيه الـ «فيسبوكيون» السُّذْج!»

ماذا قال «الخمايسي» على غلاف «المسحة»؟

على ظهر غلاف كتاب «المسحة» كتب أشرف الخمايسي كلمة استهلالية حول الكتاب نصها:

«وكلما هممت بذلك أتذكر عشاءنا المشترك، والعيش والسلطات وفواكة البحر الذي كان بيني وبينه في ليلة إسكندرية دافئة رغم الشتاء، وأتذك خلفه الدمث الذي غمرني به فيما نتناول طعامنا على نحيب أمواج البحر وهي تبكي قسوة الصخو ووحشة الليل فامسك نفسي بالعافية.

بيد أن سقوط الماء قطرة تلو قطرة على الجرانيت يفلقه مهما قاوم. جاء اليوم الذي قصمت فيه قشة تافهة ظهر البعير، وفاض الكيل، لأجدني أسقط فيما سقط فيه الـ «فيسبوكيون» السُّذْج!»

وكيف لا أسقط وأنا أتصفح هذا الـ «فيسبوك« المأفون كثيرًا؟ وكان الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون قد حذر في كتابه «سايكلوجية الجماهير» كل عاقل من أنه إذا خالط الجماهير ـ ومعظمها طائش ـ سيفعل مثلها، لكن.. «لا يمنع حذر من قدر»»
ــ أنتهت الكلمة ــ
 

ما الذي يحويه كتاب «المسحة»؟

بحسب أشرف الخمايسي يتناول الكتاب المنتجات الفكرية للدكتور خالد منتصر التي يطرحها في: «كتبه، ومقالاته، وموقعه الإلكتروني، ولقاءاته التلفزيونية، وصفحته على فيس بوك" مؤكدًا: "أنني أقول «منتجات فكرية» لا أقول «أفكار». فالأفكار أكبر وأعمق بكثير مما يطرحه المستنورون الجدد». بحسب نص الخمايسي في أحد حواراته الصحفية حول الأزمة.

يقع الكتاب في 170 صفحة من القطع المتوسط، ومكون من ثلاثة فصول، ومقدمة، وخاتمة. وتولت طباعته دار المؤسسة للنشر والتوزيع. أنتج «الخمايسي» مؤلفه «المسحة» العام الماضي، في أقل من شهرين. ويرى الكاتب أن كتابه «محاججة ومناظرة أكثر من كونه كتاب فكري».

بين إعلانيّ «النشر» و«المنع».. ما الذي حصل؟

الناشر مصطفى النجار، صاحب دار المؤسسة للنشر والتوزيع، قال في بداية الأزمة ـ تعليقًا على ما أثاره غلاف «المسحة» من جدل ـ إنه: «لا يرى فيه أية إساءة لأحد، بل هو رصد وتحليل لفكر وكتابات وتصريحات الإعلامي خالد منتصر».  وأضاف الناشر: «أن أولى قواعد الحرية التي ينادي بها أصحاب الفكر التنويري ـ كما يطلقون على أنفسهم ـ هو حرية التعبير والإبداع، فلماذا ينكرون هذه الحرية إذا استخدمها الطرف الأخر!»

رغم أن رأي الناشر من رأي المؤلف، إلا أن موقف «النجار» لم يصمد طويلًا قبل التبدل، إذا أصدر بيان ـ بعد ساعات قليلة من تصريحه بهذا الكلام ـ قال نصه: «إذ تؤكد دار المؤسسة للنشر والتوزيع على تراجعها عن إصدار كتاب «المسحة« للكاتب أشرف الخمايسي. بشكل نهائي وقاطع». مؤكدًا «أن الدار ارتأت أن الغلاف يتنافى مع سياسة الدار فقررت عدم نشره، وليس فقط تغيير الغلاف».

الكاتب أشرف الخمايسي وفي الاطار بيان دار النشر الذى تتراجع فيه عن طرح الكتاب

 هذا عن موقف الناشر، فقد ترك الغلاف وحيدًا. أما موقف الكاتب فظل ثابتًا لم يتغيّر.

فأول تعليق للكاتب أشرف الخمايسي على الانتقادات الموجهة لغلاف كتابه، كان عنيفًا، إذ طرح سؤالًا على صفحته الشخصية على موقع «فيس بوك» قال فيه: «هو خالد منتصر، قدس الله سره، أحسن من الرسول، صلى الله عليه وسلم؟! يا اولاد الدزمة».

واستدعى «الخمايسي» ـ بحسبه ـ موقف سابق لخالد منتصر قال إن الأخير: «لم يكن لديه أي مانع في أن تقوم المجلة الفرنسية بنشر صور مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) معتبرًا إياها حرية فكر. وعاب وسخر من المسلمين الذين عارضوا الرسوم. وليت دلاديل وأتباع خالد منتصر فهموا درسه الاستنواري جيدًا!»

لم يكن المتحفظون على غلاف «الخمايسي» جميعهم من أتباع خالد منتصر كما ظن هو، فهناك شخصيات لها وزنها الأدبي سجلت امتعاضها من أن تتحول أغلفة الكتب إلى ساحات للتلاسن المسيئ البعيد عن النقاش الفكري.

الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد كتب على صفحته الشخصية بموقع «فيس بوك» تعليقًا على غلاف «المسحة» قائلًا:

«...أثار الغلاف جدلًا وهو فعلًا يثير الجدل، كنت عايز أسأل كيف حصل الناشر  على رقم الإيداع من دار الكتب».

واستطرد «عبد المجيد»: «اتمني أن يغيّر الناشر هذا الغلاف الذي للاسف مهين من ناحية للدكتور خالد منتصر، وعمليًا لن يجذب الناس للكتاب على عكس ما يتصورون. اتمنى ذلك، وخلينا في المحتوى أحسن فأشرف الخمايسي روائي مهم ورائع ومش محتاج لدا كله»، وختم الروائي إبراهيم عبد المجيد مداخلته بـ «يا ريت حد يسمع».

أشرف الخمايسي وصله نداء «عبد المجيد» لكنه لم يسمعه.

في حوار له مع أحد المواقع الإخبارية قال «الخمايسي» ردًا على سؤال وجه له حول رأيه في رد الفعل على الكتاب في الوسط الثقافي، قال إنه «مخيبة للآمال» مؤكدًا أنه «لا مجال للاستجابة لتغيير غلاف الكتاب، فالكتاب طبع بالفعل، وهو يرصّ الآن على أرفف جناح دار المؤسسة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب». وهو ما لن يحدث بحسب بيان دار النشر.

ورغم التحدي الكبير الذي ينتهجه أشرف الخمايسي في إدارة أزمة غلاف كتابه، وقد وصل إلى تمنيه أن يتجه خالد منتصر لمقاضاته قائلًا: «إذا اتجه خالد منتصر للقضاء اكتمل سقوطه إلى النهاية»، رغم كل هذا التحدي، إلا أن الدكتور خالد منتصر تمسّك بالصمت في هذه الأزمة، ورفض التعقيب على الأمر برمته قائلًا: «لا تعليق قولًا واحدًا».

برواز

[برواز][bigposts]