شباك

[شباك][twocolumns]

محمد سيد بركة يكتب: كيف أحيا صلاح عيسى ملحمة الغوغاء المنسية في «مذكرات فتوة»

الكاتب محمد سيد بركة وفي الزاوية غلاف الكتاب

يحكي الكاتب الصحفي صلاح عيسى، بأسلوبه، كيف وقع كتاب مذكرات فتوة لمؤلفه المعلم يوسف أبو حجاج  بين يديه، وكيف بدأ تحقيقه وإعادة قراءته من جديد، ليصدر بهذا الشكل بعد وفاة صلاح عيسى عن الهيئة المصرية للكتاب 2019، و«مذكرات فتوة» كتاب تم نشره على حلقات في جريدة لسان الشعب لصاحبها حسني يوسف، والتي كانت تصدر في منتصف العشرينيات من القرن الماضي.

«مذكرات فتوة» صدرت بثلاث مقدمات، بخلاف مقدمة صلاح عيسى، الأولى للكاتب خير الدين الزركلى، والثانية للكاتب حسين شفيق المصرى، والثالثة للكاتب حسني يوسف.

عثر صلاح عيسى على هذا العمل في مكتبته، بعدما ضاع في زحامها، وكان قد اشتراه من أحد باعة الكتب القديمة على سور حديقة الأزبكية، في أحد أيام 1971، كما دوّن ذلك على صفحة الغلاف الداخلية، ورجع إليه حينما كان يعمل على كتابه رجال ريا وسكينة.

اهتم بالكتاب، نظرًا لأنه صدر في فترة مهمة من تاريخ مصر، إذ أصدره حسني يوسف، صاحب ومحرر جريدة «لسان الشعب»، الذي نشر المذكرات أولا في صحيفته، بدءًا من 30 يونيو 1924، ثم نشرها في أكثر من طبعة، لم يتحدد صدور الأولى منها، إنما صدرت الطبعة الثانية في العام 1927، فيما يلفت صلاح عيسى إلى أن الدكتور حمدي السكوت أدرج عنوان «مذكرات فتوة» ضمن الروايات العربية الحديثة التي وردت عناوينها في المجلد الثالث من كتابه «الرواية العربية الحديثة» وذكر أنها طبعت عام 1926.

ويرجع سبب اهتمام عيسى الرئيس بالمذكرات وتحقيقها إلى المقدمة القصيرة التي كتبها أحد أعلام الأدب والفكر والتاريخ في القرن الماضي وهو اللغوي والمؤرخ والصحافي السوري خير الدين الزركلي، الذي قال في مقدمة مذكرات الفتوة إنه كان صاحب المطبعة التي تُطبع فيها جريدة «لسان الشعب» التي تنشر حلقاتها متسلسلة، وكانت تسمى «المطبعة العربية» في مصر، واكتشف الزركلي ـ أيضا ـ في المذكرات قيمة أخرى، ألا وهي أنها صفحة من تاريخ اللغة، لا يتعرض لها مؤرخوها مما يعرضها للضياع.

يقول صلاح عيسى في تقديمه للكتاب: «لم تكن الندرة السبب الوحيد وراء تفكيري في إعادة نشر وتحقيق مذكرات فتوة، فما أكثر المخطوطات التي لم تنشر من قبل ولا جدوى من حقيقها ونشرها، وما أكثر المطبوعات النادرة التي لا فائدة في إعادة طبعها ناهيك عن بذل مجهود في تحقيقها، إذ الأصل في الحالتين أن يكون للنص - سواء كان مخطوطًا أو نسخًا قليلة من مطبوع – قيمة علمية أو أدبية أو تاريخية تبرر الجهد المبذول في نشر المخطوط أو إعادة نشر المطبوع».

وأضاف صلاح عيسى: «أول من نبهني ـ حين وقعت الطبعة الثانية من الجزء الأول من مذكرات فتوة بين يدي قبل حوالى نصف قرن ـ إلى أن لها قيمة دفعتنى للاهتمام بها وأغرانى بقراءتها المقدمة القصيرة التي كتبها لهذا الجزء، أحد أعلام الأدب والفكر والتاريخ في القرن الماضي، وهو المفكر اللغوي والمؤرخ والصحفي السوري خير الدين الزركلى».

الكاتب صلاح عيسى

وتابع «عيسى»: «الذي حسم ترددي في إعادة نشر الكتاب وتحقيقه هو أن ما كتبه الزركلى عنه وجد دعمًا من كاتب آخر من أعلام القرن العشرين وهو حسين شفيق المصري».

نشرت جريدة «لسان الشعب» في أحد أعداد عام 1926 إعلانًا يقول نصه: «مذكرات فتوة قصة بديعة تمثل أخلاق الطبقة المعروفة بطبقة الفتوات في العاصمة وأفكارهم وأخلاقهم، وهم جزارون وباعة متجولون وحمّالون وعاطلون ولصوص وخطّافون، ولهم حياة خاصة بهم وأساليب كلامية لا يشاركهم فيها غيرهم، حتى يخيّل إلى مَن يخالطهم أنهم أُمّة قائمة بذاتها ومن صميم هؤلاء الغوغاء المعلم يوسف أبو حجاج الجزار، صاحب هذه المذكرات، التي ضمنها تاريخ حياته ونوادره وخناقاته وحبسه في مختلف السجون وسوابقه العديدة وأسبابها ونتائجها فجاءت رواية نادرة وشائقة.

وتبدو «مذكرات فتوة» نصًا نادرا لأنه يحتفظ لنا بالمصطلحات اللغوية الخاصة بطائفة الفتوات خلال تلك المرحلة وهى مصطلحات تشتد الحاجة للاحتفاظ بها بعد أن اختفت تشكيلات الفتوة.

ينفتح «مذكرات فتوة» على مصر قبل دخولها عقد العشرينيات، تبدأ الحكايات قبل ثورة 1919، يرويها الفتوة المعلم يوسف أبو حجاج، الذي عمل في الجزارة، لكنه كان «بُرْمَجِي» أي بلغة الكتاب صعلوك. فتوة، لا يكف عن التجوّل دون هدف، إلا اصطناع المشاكل مع الآخرين، وأصلها فصيح، فيقال برم فلان أي أخذ يذهب ويجيء.

أحدثت ثورة 1919 نقلة نوعية في لغة الفتوة يوسف أبو الحجاج

 والكتاب كنز حقيقى لدراسة المجتمع؛ سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا ولغويًا، ولدراسة حياة الفتوات وعالمهم العجيب، بل لدراسة شخصية ابن البلد الذي كان يرى الجدعنة في الفتونة، ولكنه أيضا يتصف بالمفهومية والذكاء وخفة الظل: يوسف أبو الحجاج الذي كان يؤمن بأن «السجن للجدعان» سينمو وعيه مع الحرب العالمية الأولى وثورة 1919، وسيستخدم تعبيرات؛ مثل الحياد، وعصبة الأمم، وسيطلق على ابنه اسم سعد زغلول، سيلتحق بفصول محو الأمية، وسينتهي في نهاية الجزء الثالث إلى أن: «اللى الناس ترضى عنه يرضى عليه ربنا».

والفتوة، كما عبّر عنه صاحب المذكرات، شخص بسيط وفهلوي، يعرف الواجب والأصول، ويدخل المعارك إكرامًا لأصدقائه، أو حتى من باب المزاج، في السجن يمكنه أن يتصرف، وأن يكسب ثقة العساكر والضباط، لكنه أيضا ابن حظ وأُنس، عنده حق نجيب محفوظ عندما قال إن الفتوة في الواقع كانت حياته فارغة ومكررة الصداقة والحب والنساء، يعبر ببلاغة عن الثقافة الشعبية، التي ما زالت موجودة ومؤثرة، وهى ثقافة مستقلة وموازية للثقافة الرسمية، منبعها الأساسي تاريخ طويل وقديم، وتجارب وخبرات إنسانية، وأمثال ومرويات بل خرافات، وفلسفة فيها تزاوج عجيب بين الدين والدنيا، وبين الحزن والبهجة.

قسّم صلاح عيسى الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يضم سبعة فصول، والجزء الثاني عبارة عن هوامش، والثالث يضم سبعة فصول، ومذكرات فتوة ـ طبقاً لتعريف ناشر الكتاب أو ملتزم طبعه ونشره بمصطلحات ذاك العصر ـ هى قصة فكاهية انتقادية تعطيك صورة جلية عن أخلاق وعادات وآداب واصطلاحات اختصت بها طبقة عامة المصريين، وهم الذين يلقبون بالفتوات. ألفها بكل وقائعها المعلم يوسف أبو حجاج، وأملاها على صاحب جريدة «لسان الشعب» وطلب منه نشرها في جريدته وقد حافظ فيها على لغة مؤلفها ثم أعاد نشرها في كتاب.

صلاح عيسى.. كاتب وصحفى ومؤرخ، ولد في 4 أكتوبر عام 1939 في قرية بشلا بمحافظة الدقهلية، وتوفي يوم الإثنين الموافق 25 من ديسمبر 2017.

حصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية عام 1961 ورأس لمدة خمس سنوات عددًا من الوحدات الاجتماعية بالريف المصري بدأ حياته كاتبًا للقصة القصيرة ثم اتجه عام 1962 للكتابة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي تفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 في جريدة الجمهورية، أسس وشارك في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات، منها «الكتاب» و«الثقافة الوطنية» و«الأهالى» و«اليسار» و«الصحفيون» و«جريدة القاهرة».


ألّف عيسى 20 كتابًا تلك بعضها
 اعتقل لأول مرة بسبب آرائه السياسىة عام 1966 وتكرر اعتقاله أو القبض عليه أو التحقيق معه أو محاكمته في سنوات ما بين 1968 و1981.

أصدر أول كتبه «الثورة العرابية» عام 1979 وصدر له 20 كتابًا في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي والأدب، منها «تباريج جريج» و«مثقفون وعسكرر و«دستور في صندوق القمامة» و«رجال ريا وسكينة» و«هوامش على دفتر الوطن».

برواز

[برواز][bigposts]